الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
بسم الله الرحمن الرحيم لما كان سبق الحدث عارضا سماويا والمفسدات عارضا كسبيا قدم ذاك وأخر هذا والفساد والبطلان في العبادات سواء. (قوله: يفسد الصلاة التكلم) لحديث مسلم: «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» وفي رواية البيهقي: «إنما هي» وما لا يصلح فيها مباشرته يفسدها مطلقا كالأكل والشرب والمكروه غير صالح من وجه دون وجه والنص يقتضي انتفاء الصلاح مطلقا أطلقه فشمل العمد والنسيان والخطأ والقليل والكثير لإصلاح صلاته أو لا عالما بالتحريم أو لا ولهذا عبر بالتكلم دون الكلام ليشمل الكلمة الواحدة كما عبر بها في المجمع لأن التكلم هو النطق يقال تكلم بكلام وتكلم كلاما كذا في ضياء الحلوم وسواء أسمع غيره أو لا وإن لم يسمع نفسه وصحح الحروف فعلى قول الكرخي تفسد وحكي عن الإمام محمد بن الفضل عدمه والاختلاف فيه نظير الاختلاف فيما إذا قرأ في صلاته ولم يسمع نفسه هل تجوز صلاته وقد بيناه كذا في الذخيرة وفي المحيط النفخ المسموع المهجي مفسد عندهما خلافا لأبي يوسف لهما أن الكلام اسم لحروف منظومة مسموعة من مخرج الكلام لأن الإفهام بهذا يقع وأدنى ما يقع به انتظام الحروف حرفان ا هـ. وينبغي أن يقال إن أدناه حرفان أو حرف مفهم كع أمر أو كذا ق فإن فساد الصلاة بهما ظاهر وشمل الكلام في النوم وهو قول كثير من المشايخ وهو المختار واختار فخر الإسلام وغيره أنها لا تفسد وأما ما رواه الحاكم وصححه: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» فهو من باب المقتضى ولا عموم له لأنه ضروري فوجب تقديره على وجه يصح والإجماع منعقد على أن رفع الإثم مراد فلا يراد غيره وإلا لزم تعميمه وهو في غير محل الضرورة ولقائل أن يقول إن حديث ذي اليدين الثابت في صحيح مسلم فإنه تكلم في الصلاة حين سلم النبي صلى الله عليه وسلم على رأس الركعتين ساهيا وتكلم بعض الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم فكان حجة للجمهور بأن كلام الناسي ومن يظن أنه ليس فيها لا يفسدها فإن أجيب بأن حديث ذي اليدين منسوخ كان في الابتداء حين كان الكلام فيها مباحا فممنوع لأنه رواية أبي هريرة وهو متأخر الإسلام وإن أجيب بجواز أن يرويه عن غيره ولم يكن حاضرا فغير صحيح لما في صحيح مسلم عنه: «بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم» وساق الواقعة وهو صريح في حضوره ولم أر عنه جوابا شافيا وأراد من التكلم التكلم لغير ضرورة لما سيأتي أنه لو عطس أو تجشا فحصل منه كلام لا تفسد لتعذر الاحتراز عنه كما في المحيط ودخل في التكلم المذكور قراءة التوراة والإنجيل والزبور فإنه يفسد كما في المجتبى وقال في الأصل لم يجزه وفي جامع الكرخي فسدت وعن أبي يوسف إن أشبه التسبيح جاز. (قوله: والدعاء بما يشبه كلامنا) أفرده وإن دخل في التكلم لأن الشافعي لا يفسدها بالدعاء وينبغي أن يتعلق قوله بما يشبه كلامنا بالتكلم والدعاء وقد قدمنا بأن الدعاء بما يشبه كلامنا هو ما أمكن سؤاله من العباد كاللهم أطعمني أو اقض ديني وارزقني فلانة على الصحيح وما استحال طلبه من العباد فليس من كلامنا مثل العافية والمغفرة والرزق سواء كان لنفسه أو لغيره ولو لأخيه على الصحيح كما في المحيط وفي الظهيرية ولو قال أل ثم قال الحمد لله أو لم يقل لا تفسد صلاته وقال المرغيناني إن أنصاف الكلمة مثل كل الكلمة تفسد صلاته ثم ذكر ضابطا للدعاء بما يشبه كلامنا فقال الحاصل أنه إذا دعا بما جاء في الصلاة أو في القرآن أو في المأثور لا تفسد صلاته، وإن لم يكن في القرآن أو في المأثور ولا يستحيل سؤاله تفسد وإن كان يستحيل سؤاله لا تفسد ا هـ ويشكل عليه اللهم اغفر لعمي أو خالي فإنه نقل أنها تفسد اتفاقا كما قدمناه. (قوله: والأنين والتأوه وارتفاع بكائه من وجع أو مصيبة لا من ذكر جنة أو نار) أي يفسدها أما الأنين فهو أن يقول آه كما في الكافي والتأوه هو أن يقول أوه ويقال أوه الرجل تأويها وتأوه تأوها إذا قال أوه وقال في المغرب وهي كلمة توجع ورجل أواه كثير التأوه وذكر العلامة الحلبي في شرح المنية أن فيها ثلاث عشرة لغة فالهمزة مفتوحة في سائرها ثم قد تمد وقد لا تمد مع تشديد الواو المفتوحة وسكون الهاء فهاتان لغتان ولا تمد مع تشديد الواو المكسورة وسكون الهاء وكسرها فهاتان أخريان ومع سكون الواو وكسر الهاء فهذه خامسة ومع تشديد الواو مفتوحة ومكسورة بلا هاء فهاتان سادسة وسابعة و أو على مثال أو العاطفة فهذه ثامنة وتمد لكن يليها هاء ساكنة ومكسورة بلا واو فهاتان تاسعة وعاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة أوياه بمد الهمزة وعدمه وفتح الواو المشدودة يليها ياء مثناه ثم ألف ثم هاء ساكنة والثالثة عشرة آووه بمد الهمزة وضم الواو الأولى وسكون الثانية بعدها هاء ساكنة وحينئذ فتسمية آه أنينا وأوه تأوها اصطلاح ا هـ. يعني لا لغة لأن من لغات التأوه آه وهي العاشرة وأما ارتفاع البكاء فهو أن يحصل به حروف وقوله من وجع أو مصيبة قيد للثلاثة وقوله لا من ذكر جنة أو نار عائد إلى الكل أيضا فالحاصل أنها إن كانت من ذكر الجنة أو النار فهو دال على زيادة الخشوع ولو صرح بهما فقال اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار لم تفسد صلاته، وإن كان من وجع أو مصيبة فهو دال على إظهارهما فكأنه قال إني مصاب والدلالة تعمل عمل الصريح إذا لم يكن هناك صريح يخالفها وهذا كله عندهما وعن أبي يوسف إن قوله آه لا يفسد في الحالين وأوه يفسد وقيل الأصل عنده أن الكلمة إذا اشتملت على حرفين وهما زائدان أو أحدهما لا تفسد، وإن كانتا أصليتين تفسد وحروف الزوائد مجموعة في قولنا أمان وتسهيل ونعني بالزوائد أن الكلمة لو زيد فيها حرف لكان من هذه الحروف لا أن هذه الحروف زوائد أينما وقعت قال في الهداية وقول أبي يوسف لا يقوى لأن كلام الناس في متفاهمهم أي أهل العرف يتبع وجود حروف الهجاء وإفهام المعنى ويتحقق ذلك في حروف كلها زوائد ا هـ. وتعقبه الشارحون بأن أبا يوسف إنما يجعل حروف الزوائد كأن لم تكن إذا قلت لا إذا كثرت وأجاب عنه في فتح القدير بأنه أراد بالجمع الاثنين فصاعدا وجعل في الظهيرية محل الخلاف فيما إذا أمكن الامتناع عنه أما ما لا يمكن الامتناع عنه فلا يفسد عند الكل كالمريض إذا لم يملك نفسه من الأنين والتأوه لأنه حينئذ كالعطاس والجشاء إذا حصل بهما حروف قيد بالأنين ونحوه فإنه لو استعطف كلبا أو هرة أو ساق حمارا لم تفسد صلاته لأنه صوت لا هجاء له وقيد بارتفاع بكائه لأنه لو خرج دمعه من غير صوت لا تفسد صلاته بلا خلاف في كل حال كذا في شرح الجامع الصغير لقاضي خان والتأفيف كالأنين كأف وتف ثم أف اسم فعل لأتضجر وقيل لتضجرت وسواء أراد به تنقية موضع سجوده أو أراد به التأفيف فإن الصلاة تفسد عندهما مطلقا وقال أبو يوسف بعدمه لكن في المجتبى الصحيح أن خلافه إنما هو في المخفف وفي المشدد تفسد عندهم ويعارضه ما في الخلاصة أن الأصل عنده أن في الحرفين لا تفسد صلاته وفي أربعة أحرف تفسد وفي ثلاثة أحرف اختلف المشايخ فيها والأصح أنها لا تفسد ا هـ. وبما فيها اندفع ما اعترض به الشارحون على الهداية في قوله ويتحقق ذلك في حروف كلها زوائد كما لا يخفى وفي الخانية ولو لدغته عقرب أو أصابه وجع فقال بسم الله قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل تفسد صلاته ويكون بمنزلة الأنين وهكذا روي عن أبي حنيفة وقيل لا تفسد لأنه ليس من كلام الناس وفي النصاب وعليه الفتوى وجزم به في الظهيرية وكذا لو قال يا رب كما في الذخيرة وفي الظهيرية ولو وسوسه الشيطان فقال لا حول ولا قوة إلا بالله إن كان ذلك لأمر الآخرة لا تفسد وإن كان لأمر الدنيا تفسد خلافا لأبي يوسف ولو عوذ نفسه بشيء من القرآن للحمى ونحوها تفسد عندهم ا هـ بخلاف التعوذ لدفع الوسوسة لا تفسد مطلقا كما في القنية. (قوله: والتنحنح بلا عذر) وهو أن يقول أح بالفتح والضم والعذر وصف يطرأ على المكلف يناسب التسهيل عليه فإن كان التنحنح لعذر فإنه لا يبطل الصلاة بلا خلاف وإن حصل به حروف لأنه جاء من قبل من له الحق فجعل عفوا، وإن كان من غير عذر ولا غرض صحيح فهو مفسد عندهما خلافا لأبي يوسف في الحرفين، وإن كان بغير عذر لكن لغرض صحيح كتحسين صوته للقراءة أو للإعلام أنه في الصلاة أو ليهتدي إمامه عند خطئه ففيه اختلاف فظاهر الكتاب والظهيرية اختيار الفساد لكن الصحيح عدمه لأن ما للقراءة ملحق بها كما في فتح القدير وغيره فلو قال بلا عذر وغرض صحيح لكان أولى إلا أن يستعمل العذر فيما هو أعم من المضطر إليه قيدنا بأن يظهر له حروف لأنه لو لم يظهر له حروف مهجاة فإنه لا يفسدها اتفاقا لكنه مكروه وهو محمل قول من قال إن التنحنح قصدا واختيارا مكروه لأنه عبث لعروه عن الفائدة وقيد بالتنحنح لأنه لو تثاءب فحصل منه صوت أو عطس فحصل منه صوت مع الحروف لا تفسد صلاته كذا في الظهيرية ثم قال التنحنح في الصلاة إن لم يكن مسموعا لا تفسد وإن كان مسموعا يفسد ظن بعض مشايخنا أن المسموع ما يكون مهجى نحو أح وتف وغير المسموع ما لا يكون مهجى إلى هذا مال شمس الأئمة الحلواني وبعض مشايخنا لم يشترطوا وإليه مال الشيخ الإمام خواهر زاده حتى قيل إذا قال في صلاته ما يساق به الحمار لا تفسد إذا لم يحصل به الحروف. ا هـ. واختار الأول صاحب الخلاصة وذكر أنه إذا لم يفسد فهو مكروه. (قوله: وجواب عاطس بيرحمك الله) أي يفسدها لأنه من كلام الناس ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لقائله وهو معاوية بن الحكم إن صلاتنا هذه لا يصح فيها شيء من كلام الناس فجعل التشميت منه قيد بكونه جوابا لأنه لو قال العاطس لنفسه يرحمك الله يا نفسي لا تفسد لأنه لما لم يكن خطابا لغيره لم يعتبر من كلام الناس كما إذا قال يرحمني الله وقيد بقوله يرحمك الله لأنه لو قال العاطس أو السامع الحمد لله لا تفسد لأنه لم يتعارف جوابا وإن قصده وفيه اختلاف المشايخ ومحله عند إرادة الجواب أما إذا لم يرده بل قاله رجاء الثواب لا تفسد بالاتفاق كذا في غاية البيان ومحله أيضا عند عدم إرادة التفهيم فلو أراده تفسد صلاة السامع القائل الحمد لله لأنه تعليم للغير من غير حاجة كما في منية المصلي وشرحها وأشار المصنف بالجواب إلى أن المصلي لو عطس فقال له رجل يرحمك الله فقال العاطس آمين تفسد صلاته ولهذا قال في الظهيرية رجلان يصليان فعطس أحدهما فقال رجل خارج الصلاة يرحمك الله فقالا جميعا آمين تفسد صلاة العاطس ولا تفسد صلاة الآخر لأنه لم يدع له ا هـ. أي لم يجبه ويشكل عليه ما في الذخيرة إذا أمن المصلي لدعاء رجل ليس في الصلاة تفسد صلاته ا هـ. وهو يفيد فساد صلاة المؤمن الذي ليس بعاطس وليس ببعيد كما لا يخفى وأشار إلى أن المصلي إذا سمع الأذان فقال مثل ما يقول المؤذن إن أراد جوابه تفسد وإلا فلا وإن لم تكن له نية تفسد لأن الظاهر أنه أراد به الإجابة وكذلك إذا سمع اسم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى عليه فهذا إجابة فتفسد وإن صلى عليه ولم يسمع اسمه لا تفسد ولو قال لبيك سيدي حين قرأ يا أيها الذين آمنوا ففيه قولان والأحسن أن لا يفعل كذا في المحيط وفي الذخيرة معزيا إلى نوادر بشر عن أبي يوسف أنه إذا عطس الرجل في الصلاة حمد الله فإن كان وحده فإن شاء أسر به وحرك لسانه وإن شاء أعلن وإن كان خلف إمام أسر به وحرك لسانه ثم رجع أبو يوسف وقال لا يحرك لسانه مطلقا ا هـ. وهو متعين ولهذا قال في الخلاصة وينبغي أن يقول في نفسه والأحسن هو السكوت وفي القنية مسجد كبير يجهر المؤذن فيه بالتكبيرات فدخل فيه رجل نادى المؤذن أن يجهر بالتكبير فرفع الإمام للحال وجهر المؤذن بالتكبير فإن قصد جوابه فسدت صلاته وكذا لو قال عند ختم الإمام قراءته صدق الله وصدق الرسول وكذا إذا ذكر في تشهده الشهادتين عند ذكر المؤذن الشهادتين تفسد إن قصد الإجابة ا هـ. (قوله: وفتحه على غير إمامه) أي يفسدها لأنه تعليم وتعلم لغير حاجة قيد به لأنه لو فتح على إمامه فلا فساد لأنه تعلق به إصلاح صلاته أما إن كان الإمام لم يقرأ الفرض فظاهر وأما إن كان قرأ ففيه اختلاف والصحيح عدم الفساد لأنه لو لم يفتح ربما يجري على لسانه ما يكون مفسدا فكان فيه إصلاح صلاته لإطلاق ما روي عن علي رضي الله عنه إذا استطعمكم الإمام فأطعموه واستطعامه سكوته ولهذا لو فتح على إمامه بعدما انتقل إلى آية أخرى لا تفسد صلاته وهو قول عامة المشايخ لإطلاق المرخص وفي المحيط ما يفيد أنه المذهب فإن فيه وذكر في الأصل والجامع الصغير أنه إذا فتح على إمامه يجوز مطلقا لأن الفتح وإن كان تعليما ولكن التعليم ليس بعمل كثير وأنه تلاوة حقيقة فلا يكون مفسدا وإن لم يكن محتاجا إليه وصحح في الظهيرية أنه لا تفسد صلاة الفاتح على كل حال وتفسد صلاة الإمام إذا أخذ من الفاتح بعد ما انتقل إلى آية أخرى وصحح المصنف في الكافي أنه لا تفسد صلاة الإمام أيضا فصار الحاصل أن الصحيح من المذهب أن الفتح على إمامه لا يوجب فساد صلاة أحد لا الفاتح ولا الآخذ مطلقا في كل حال ثم قيل ينوي الفاتح بالفتح على إمامه التلاوة والصحيح أنه ينوي الفتح دون القراءة لأن قراءة المقتدي منهي عنها والفتح على إمامه غير منهي عنه قالوا يكره للمقتدي أن يفتح على إمامه من ساعته وكذا يكره للإمام أن يلجئهم إليه بأن يقف ساكتا بعد الحصر أو يكرر الآية بل يركع إذا جاء أوانه أو ينتقل إلى آية أخرى لم يلزم من وصلها ما يفسد الصلاة أو ينتقل إلى سورة أخرى كما في المحيط واختلفت الرواية في وقت أوان الركوع ففي بعضها اعتبر أوانه المستحب وفي بعضها اعتبر فرض القراءة يعني إذا قرأ مقدار ما تجوز به الصلاة ركع كذا في السراج الوهاج وأراد من الفتح على غير إمامه تلقينه على قصد التعليم أما إن قصد قراءة القرآن فلا تفسد عند الكل كذا في الخلاصة وغيرها وأطلق في الفتح المذكور فشمل ما إذا تكرر منه أو كان مرة واحدة وهو الأصح لأنه لما اعتبر كلاما جعل نفسه قاطعا من غير فصل بين القليل والكثير كما في الجامع الصغير وفصل في البدائع بأنه إن فتح بعد استفتاح فصلاته تفسد بمرة واحدة وإن كان من غير استفتاح فلا تفسد بمرة واحدة إنما تفسد بالتكرار ا هـ. وهو خلاف المذهب كما سمعت وشمل ما إذا كان المفتوح عليه مصليا أو لا أشار المصنف إلى أنه لو أخذ المصلي غير الإمام بفتح من فتح عليه فإن صلاته تفسد كما في الخلاصة ثم اعلم أن هذا كله على قول أبي حنيفة ومحمد وأما على قول أبي يوسف فلا تفسد صلاة الفاتح مطلقا لأنه قرآن فلا يتغير بقصد القارئ عنده وفي القنية ارتج على الإمام ففتح عليه من ليس في صلاته وتذكر فإذا أخذ في التلاوة قبل تمام الفتح لم تفسد وإلا فتفسد لأن تذكره يضاف إلى الفتح وفتح المراهق كالبالغ ولو سمعه المؤتم ممن ليس في الصلاة ففتحه على إمامه يجب أن تبطل صلاة الكل لأن التلقين من خارج. ا هـ. (قوله: والجواب بلا إله إلا الله) أي يفسدها عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف لا يكون مفسدا لأنه ثناء بصيغته فلا يتغير بعزيمته ولهما أنه أخرج الكلام مخرج الجواب وهو يحتمله فيجعل جوابا كتشميت العاطس وليس مقصود المصنف خصوص الجواب بهذه الكلمة بل كل كلمة هي ذكر أو قرآن قصد بها الجواب فهي على الخلاف كما إذا أخبر بخبر يسره فقال الحمد لله أو بأمر عجيب فقال سبحان الله ثم نص المشايخ على أشياء موجبة للفساد باتفاقهم وهو ما لو كان بين يدي المصلي كتاب موضوع وعنده رجل اسمه يحيى فقال {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} أو رجل اسمه موسى وبيده عصا فقال له {وما تلك بيمينك يا موسى} أو كان في السفينة وابنه خارجها فقال {يا بني اركب معنا} أو طرق عليه الباب أو نودي من خارجه فقال {ومن دخله كان آمنا} وأراد بهذه الألفاظ الخطاب لأنه لا يشكل على أحد أنه متكلم لا قارئ وهي مؤيدة لما قالاه واردة على أبي يوسف ومما أورد على أبي يوسف الفتح على غير إمامه فإنه مفسد عنده وهو قرآن كذا في فتح القدير وأجاب عنه في غاية البيان بأن الفساد عنده فيه لأمر آخر وهو التعليم والإيراد مدفوع من أصله لأن أبا يوسف لا يقول بالفساد بالفتح على غير إمامه كما ذكره الزيلعي وغيره ثم اختلف المشايخ فيما إذا أخبر بخبر يسوءه فاسترجع لذلك بأن قال إنا لله وإنا إليه راجعون مريدا بذلك الجواب وصحح في الهداية والكافي الفساد عندهما خلافا لأبي يوسف وقال بعض المشايخ إنه مفسد اتفاقا ونسبه في غاية البيان إلى عامة المشايخ وقال قاضي خان إنه الظاهر ولعل الفرق على قوله أن الاسترجاع لإظهار المصيبة وما شرعت الصلاة لأجله والتحميد لإظهار الشكر والصلاة شرعت لأجله وحكم لا حول ولا قوة إلا بالله كالاسترجاع كما هو في منية المصلي وقدمنا أنه لو قالها لدفع الوسوسة لأمر الدنيا تفسد ولأمر الآخرة لا تفسد ثم أطلق المصنف الجواز بلا إله إلا الله وقيده في الكافي بصورة بأن قيل بين يديه أمع الله إله آخر فقال لا إله إلا الله والظاهر عدم التقييد بهذه الصورة لما في فتاوى قاضي خان أنه لو أخبر بخبر يهوله فقال لا إله إلا الله أو الله أكبر وأراد الجواب فسدت ومما ألحق بالجواب ما في المجتبى لو سبح أو هلل يريد زجرا عن فعل أو أمرا به فسدت عندهما وقيد بالجواب لأنه لو أراد به إعلامه أنه في الصلاة كما إذا استأذن على المصلي إنسان فسبح وأراد به إعلامه أنه في الصلاة لم يقطع صلاته وكذا لو عرض للإمام شيء فسبح المأموم لا بأس به لأن المقصود به إصلاح الصلاة فسقط حكم الكلام عند الحاجة إلى الإصلاح ولا يسبح للإمام إذا قام إلى الأخريين لأنه لا يجوز له الرجوع إذا كان إلى القيام أقرب فلم يكن التسبيح مفيدا كذا في البدائع وينبغي فساد الصلاة به لأن القياس فسادها به عند قصد الإعلام وإنما ترك للحديث الصحيح: «من نابه شيء في صلاته فليسبح» فللحاجة لم يعمل بالقياس فعند عدمها يبقى الأمر على أصل القياس ثم رأيته في المجتبى قال ولو قام إلى الثالثة في الظهر قبل أن يقعد فقال المقتدي سبحان الله قيل لا تفسد وعن الكرخي تفسد عندهما. ا هـ. وقد قدمنا حكم ما إذا أجاب المؤذن أو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ولو لعن الشيطان في الصلاة عند قراءة ذكره لا تفسد وفي الخانية والظهيرية ولو قرأ الإمام آية الترغيب أو الترهيب فقال المقتدي صدق الله وبلغت رسله فقد أساء ولا تفسد صلاته ا هـ. وهو مشكل لأنه جواب لإمامه ولهذا قال في المبتغى بالمعجمة ولو سمع المصلي من مصل آخر {ولا الضالين} فقال آمين لا تفسد وقيل تفسد و عليه المتأخرون وكذا بقوله عند ختم الإمام قراءته صدق الله وصدق الرسول ا هـ. وفي المجتبى ولو لبى الحاج تفسد صلاته ولو قال المصلي في أيام التشريق الله أكبر لا تفسد ولو أذن في الصلاة وأراد به الأذان فسدت صلاته وقال أبو يوسف لا تفسد حتى يقول حي على الصلاة حي على الفلاح ولو جرى على لسانه نعم إن كان هذا الرجل يعتاد في كلامه نعم تفسد صلاته وإن لم يكن عادة له لا تفسد لأن هذه الكلمة في القرآن فتجعل منه ثم اعلم أنه وقع في المجتبى وقيل لا تفسد في قولهم أي لا تفسد الصلاة بشيء من الأذكار المتقدمة إذا قصد بها الجواب في قول أبي حنيفة وصاحبيه ولا يخفى أنه خلاف المشهور المنقول متونا وشروحا وفتاوى لكن ذكر في الفتاوى الظهيرية في بعض المواضع أنه لو أجاب بالقول بأن يخبر بخبر يسره فقال الحمد لله رب العالمين أو بخبر يسوءه فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون تفسد صلاته والأصح أنه لا تفسد صلاته ا هـ وهو تصحيح مخالف للمشهور. (قوله: والسلام ورده) لأنه من كلام الناس أطلقه فشمل العمد والسهو كما صرح به في الخلاصة وشمل ما إذا قال السلام فقط من غير أن يقول عليكم كما في الخلاصة أيضا وفي الهداية ما يخالفه فإنه قال بخلاف السلام ساهيا لأنه من الأذكار فيعتبر ذكرا في حالة النسيان وكلاما في حالة التعمد لما فيه من كاف الخطاب ا هـ. وتبعه الشارحون وهكذا قيد صدر الشريعة السلام بالعمد ولم يقيد الرد به قال الشمني لأن رد السلام مفسد عمدا كان أو سهوا لأن رد السلام ليس من الأذكار بل هو كلام وخطاب والكلام مفسد مطلقا ا هـ. وهكذا قيد السلام بالعمد في المجمع ولم أر من من وفق بين العبارات وقد ظهر لي أن المراد بالسلام المفسد مطلقا أن يكون لمخاطب حاضر فهذا لا فرق فيه بين العمد والنسيان أي نسيان كونه في الصلاة وأن المراد بالسلام المفسد حالة العمد فقط أن لا يكون لمخاطب حاضر كما قالوا لو سلم على رأس الركعتين في الرباعية ساهيا فإن صلاته لا تفسد وكذا لو سلم المسبوق مع الإمام ثم بعد ذلك رأيت التصريح به في البدائع أن السلام على إنسان مبطل مطلقا وأما السلام وهو الخروج من الصلاة فإنه مفسد إن كان عمدا والله الموفق وفي القنية سلم قائما على ظن أنه أتم الصلاة ثم علم أنه لم يتم فسدت وقيل يبني لأنه سلم في غير محله بخلاف القعود وصلاة الجنازة ا هـ. وهو مقيد لإطلاقهم بما إذا كان السلام حالة القعود وفيها سلم المسبوق ساهيا ودعا بدعاء كان عادته أعاد ولو قال أستغفر الله وهو عادته لا يعيد ولو قال المسبوق بعد الترويحة سبحان الله إلى آخره كما هو المعتاد ينبغي أن لا تفسد قرأ المسبوق الفاتحة بعد سلام الإمام على المحتاج ناسيا فسدت ا هـ. ثم هذا كله إذا سلم أو رد بلسانه أما إذا رد السلام بيده ففي الفتاوى الظهيرية والخلاصة وغيرهما لو سلم إنسان على المصلي فأشار إلى رد السلام برأسه أو بيده أو بأصبعه لا تفسد صلاته ولو طلب إنسان من المصلي شيئا فأومأ برأسه أو قيل له أجيد هذا فأومأ برأسه بلا أو بنعم لا تفسد صلاته ا هـ. وفي المجمع لو رد السلام بلسانه أو بيده فسدت ومن العجب أن العلامة ابن أمير حاج الحلبي مع سعة إطلاعه قال إن بعض من ليس من أهل المذهب قد عزى إلى أبي حنيفة أن الصلاة تفسد بالرد باليد وأنه لم يعرف أن أحدا من أهل المذهب نقل الفساد في رد السلام باليد وإنما يذكرون عدم الفساد من غير حكاية خلاف في المذهب فيه بل وصريح كلام الطحاوي في شرح الآثار يفيد أن عدم الفساد قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وكأن هذا القائل فهم من نفي الرد بالإشارة الفساد على تقديره كما هو كذلك في الرد بالنطق لكن الثبت ما ذكرنا ا هـ. فإن صاحب المجمع من أهل المذهب المتأخرين والحق ما ذكره العلامة الحلبي أن الفساد ليس بثابت في المذهب وإنما استنبطه بعض المشايخ في فرع نقله من الظهيرية والخلاصة وغيرهما أنه لو صافح المصلي إنسانا بنية السلام فسدت صلاته ونقل الزاهدي بعد نقله عن حسام الأئمة المودني أنه قال فعلى هذا تفسد أيضا إذا رد بالإشارة لأنه كالتسليم باليد وكذا ذكره البقالي وقال عند أبي يوسف لا تفسد ا هـ. ويدل لعدم كونه مفسدا ما ثبت في سنن أبي داود وصححه الترمذي عن ابن عمر قال: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى قباء فصلى فيه قال فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي فقلت لبلال كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يرد السلام عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي قال يقول هكذا وبسط كفه وبسط جعفر بن عون كفه وجعل بطنه أسفل وجعل ظهره إلى فوق». وما «عن صهيب مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فرد علي إشارة ولا أعلمه» قال الإشارة بأصبعه رواه أبو داود والترمذي وحسنه فإن قلت إنها تقضي عدم الكراهة وقد صرحوا كما في منية المصلي وغيرها بكراهة السلام على المصلي ورده بالإشارة أجاب العلامة الحلبي بأنها كراهة تنزيهية وفعله عليه السلام لها إنما كان تعليما للجواز فلا يوصف بالكراهة وقد أطال رحمه الله الكلام هنا إطالة حسنة كما هو دأبه وحينئذ فيحتاج إلى الفرق بين المصافحة والرد باليد وقد علل الولوالجي لفسادها بالمصافحة بأنها سلام وهو مفسد وعلل الزيلعي بأنها كلام معنى ويرد عليه أن الرد بالإشارة كلام معنى فالظاهر استواء حكمهما وهو عدم الفساد للأحاديث الواردة في ذلك ثم اعلم أنه يكره السلام على المصلي والقارئ والجالس للقضاء أو البحث في الفقه أو التخلي ولو سلم عليهم لا يجب عليهم الرد لأنه في غير محله كذا ذكر الشارح وصرح في فتح القدير من باب الأذان أن السلام على المتغوط حرام ولا يخفى ما فيه إذ الدليل ليس بقطعي والله سبحانه أعلم. (قوله: وافتتاح العصر أو التطوع لا الظهر بعد ركعة الظهر) أي يفسدها انتقاله من صلاة إلى أخرى مغايرة للأولى فقوله بعد ركعة الظهر ظرف للافتتاح وصورتها صلى ركعة من الظهر ثم افتتح العصر أو التطوع بتكبيرة فقد أفسد الظهر وتفسير المسألة أن لا يكون صاحب ترتيب بأن بطل عنه بضيق الوقت أو بكثرة الفوائت فإن كان صاحب ترتيب فالمنتقل إلى العصر متطوع عند أبي حنيفة وأبي يوسف لأنه لا يلزم من بطلان الوصف بطلان الأصل عندهما وإن انتقل إلى عصر سابق على الظهر فقد انتقض وصف الفرضية قبل الدخول في العصر للترتيب وإنما انتقل عن تطوع لا فرض كذا في الكافي وإنما بطل ظهره لأنه صح شروعه في غيره لأنه نوى تحصيل ما ليس بحاصل فيخرج عنه ضرورة لمنافاة بينهما فمناط الخروج عن الأولى صحة الشروع في المغاير ولو من وجه فلذا لو كان منفردا في فرض فكبر ينوي الاقتداء أو النفل أو الواجب أو شرع في جنازة فجيء بأخرى فكبر ينويهما أو الثانية يصير مستأنفا على الثانية فقط بخلاف ما إذا لم ينو شيئا ولو كان مقتديا فكبر للانفراد يفسد ما أدى قبله ويصير مفتتحا ما أداه ثانيا وقوله لا الظهر يعني لو صلى ركعة من الظهر فكبر ينوي الاستئناف للظهر بعينها فلا يفسد ما أداه فيحتسب بتلك الركعة حتى لو لم يقعد فيما بقي القعدة الأخيرة باعتبارها فسدت الصلاة فلغت النية الثانية وتفرع عليه ما ذكره الولوالجي إذا صلى الظهر أربعا فلما سلم تذكر أنه ترك سجدة منها ساهيا ثم قام واستقبل الصلاة وصلى أربعا وسلم وذهب فسد ظهره لأن نية دخوله في الظهر ثانيا وقع لغوا فإذا صلى ركعة فقد خلط المكتوبة بالنافلة قبل الفراغ من المكتوبة ا هـ. ومعلوم أن هذا إذا لم يتلفظ بلسانه فإن قال نويت أن أصلي إلى آخره فسدت الأولى وصار مستأنفا للمنوي ثانيا مطلقا لأن الكلام مفسد وقيد بالصلاة لأنه لو صام قضاء رمضان وأمسك بعد الفجر ثم نوى بعده نفلا لم يخرج عنه بنية النفل لأن الفرض والنفل في الصلاة جنسان مختلفان لا رجحان لأحدهما على الآخر في التحريمة وهما في الصوم والزكاة جنس واحد كذا في المحيط.
|